سوق حلب القديم: حيث يلتقي التاريخ بالتجارة

لمحة تاريخية عن سوق المدينة

يُعد سوق المدينة في حلب من أعرق الأسواق في العالم، إذ يعود تاريخه إلى العصور الإسلامية المبكرة، وقد شهد توسعًا كبيرًا في العهدين الزنكي والأيوبي، ثم ازدهر بشكل ملحوظ خلال العهد المملوكي، ليصل إلى ذروته في العصر العثماني، خصوصًا في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

كان السوق جزءًا رئيسيًا من منظومة تجارية ضخمة على طريق الحرير، حيث شكّل ملتقى للتجار القادمين من آسيا الوسطى، فارس، الأناضول، العراق، وشمال إفريقيا، وكانت تُعرض فيه منتجات فاخرة كالحرير، التوابل، الفضة، والمنسوجات الدمشقية.

يتكون السوق من مئات الخانات (أشبه بالفنادق والمخازن القديمة)، والوكالات التجارية، والحمامات، والمدارس الدينية التي خدمت النشاط التجاري والديني معًا. وقد خُطط السوق بطريقة هندسية ذكية، بحيث يُخصص كل قسم أو “سوق فرعي” لحرفة أو تجارة محددة، مثل سوق العطارين وسوق النحاسين وسوق القطن، مما جعله نموذجًا متكاملًا للأنشطة الحضرية الإسلامية.

أقسام السوق – تنوع الحرف والبضائع

يتألف السوق من عدة أسواق متخصصة، كل منها يعكس حرفة تقليدية من حلب:

  • سوق العطارين: لبيع الأعشاب الطبية والتوابل.

  • سوق النحاسين: متخصص في الأواني النحاسية اليدوية.

  • سوق السقطية: لبيع المواد الغذائية والحلويات الحلبية.

  • سوق القطن: للأقمشة القطنية والصوفية.

  • سوق الحرير: لبيع أفخم أنواع الحرير والمطرزات.

الموقع الجغرافي للسوق

يقع سوق المدينة في قلب مدينة حلب القديمة، بمحاذاة قلعة حلب التاريخية، ويمكن الوصول إليه من باب أنطاكية أو باب الفرج.

 عرض الموقع على الخريطة – Google Maps

يُعد سوق المدينة في حلب أكثر من مجرد سوق تجاري، فهو مرآة حية لتاريخ المدينة العريق، ونموذج فريد للهندسة المعمارية الإسلامية والتقاليد الحرفية السورية. رغم التحديات التي مر بها، لا يزال السوق يحتفظ بمكانته الرمزية كأحد أهم المعالم التراثية في الشرق الأوسط. إن زيارة هذا السوق ليست فقط تجربة تسوّق، بل رحلة عبر الزمن لاكتشاف عبق الماضي وروح مدينة حلب الأصيلة.

ومع استمرار جهود الترميم، يعود السوق اليوم ليحتل دوره من جديد كوجهة سياحية وثقافية وتجارية نابضة بالحياة، تجمع بين الأصالة والتجدد، وتُعزز من مكانة حلب كإحدى أقدم وأغنى مدن العالم حضاريًا.